المسنون، هم آباؤنا، هم أمهاتنا، يوماً ما سنكون مثلهم، ليتخيل كل واحد منا أن عمره 70 عاماً، ليتخيل تلك الأحاسيس، تلك الآلام والتي عادة تخرج ولكننا لا نراها، ولا يحس بها غيرهم، المسنون لهم الفضل بعد الله في تربيتنا وتنشئتنا التنشئة الصحيحة السليمة، هؤلاء الكبار هم الذين خاضوا متاعب الحياة، وحملوا أبناءهم على أكتافهم حتى أوصلوهم إلى شاطئ النجاة، لكن بعضنا لا يحسن التصرف معهم، فهل يقبل العقل البشري أن يكون دار العجزة هو الجزاء للوالدين الذين أفنوا عمرهم من أجل فلذة كبدهم، وهل فقد هؤلاء الأبناء إحساسهم لكي يرموهم بهذه الطريقة البشعة؟!
[] من هم كبار السن:
يطلق على الشخص كبير سن عادة عندما يتجاوز الخامسة والستين من عمره، هذه المرحلة من العمر يكون المرء فيها قد جمع من الخبرات والتجارب في حياته الشيء الكثير وهو يقف على أعتاب فترة من الانحدار البدني أو الفكري أو كلاهما معاً، قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [الروم:54].
والإسلام ولاشك دين إنساني، يحترم الإنسان ويصون كرامته كبيرا وصغيرا، ولقد كرم الله بني آدم وجعله خليفته في الأرض لعمارتها، وحرص الإسلام على تنظيم العلاقات الأسرية والإجتماعية على أساس من العدل، والتعاون، والإخاء، والحرمة، والعطف، والتضامن، والتكافل، وإذا كان الإسلام قد حرص على صون كرامة الإنسان في كل مراحل عمره، فقد عني عناية خاصة بتوقير الكبار وإحترامهم والعطف عليهم والإحسان إليهم وخاصة الوالدين. فحث على بر الوالدين والإحسان إليهما في كل مراحل العمر وضرورة رعايتهم خاصة عندما يكبرون، حيث يصبحون أكثر حاجة للرعاية والعناية بعد أن أدوا الرسالة تجاه أبنائهم وأوطانهم، يقول سبحانه وتعالى{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف:15].
ومما لا شك فيه أن المسنين في بلاد الغرب يذوقون الويلات من مجتمعهم المنكر لهم، ويتعجبون على بر أبنائنا، وما علموا أن ذلك ينبع من تعاليم الإسلام، وقد ذُكر لنا في أحد المواقف أن 3 من الأمهات الأمريكيات أسلمن حينما رأين شاب مسلما أتى مع أمه لعلاجها، وإندهشوا من تصرفاته وهو يمسكها ويسندها ويقبلها، فأعلنوا إسلامهن بعد هذه الحادثة.
إن المسن يحتاج للحنان والرعاية والعطف مثل الصغير تمامًا ويجب أن لا نبخل عليه بذلك، كما يجب علينا تجنب الإصطدام مع المسن في رأي معين لأن موافقته وقتيًا ومن ثم العودة مرة أخرى لمحاولة إقناعه تأتي غالبًا بما نرغب من النتائج.
وعند وجود هذه الفئة الغالية في المنزل يجب علينا التعامل معهم كما أمر ديننا الحنيف، بإتباع مجموعة من الفنون التي تساعد بحول الله على إسعادهم وهي:
•- تعليمهم القرآن إن كانوا لا يعرفون.
•- عدم إحراجهم في الأمور التي لا يعرفونها مثل القراءة والكتابة والحاسب وغيرها.
•- مراعاة وإعتبار رأيهم حيث إنهم أكثر خبرة منا في الحياة.
•- عدم مهاجمة وإنتقاد ما إعتادوا عليه من التقاليد التي لا تخالف الشرع.
•- إشعارهم بأن لهم منزلة رفيعة وذلك بإضافة بعض الألقاب مثل يا عم، يا والد وكذلك بتقبيل رأسهم والإفساح لهم في المجلس.
•- إحسان الأدب والتزام الحكمة خاصة عند أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومن الشواهد على هذا الأدب قصة الحسن والحسين عندما رأيا رجلًا كبير السن لا يحسن الوضوء فقالا له: نريد أن نتوضأ عندك لكي تخبرنا من أحسن وضوءًا من الآخر فتوضئا عنده فقال كلاكما أحسنتما الوضوء وأحسنتما الأدب.
•- يجب أن ندرك أن المسن يستمتع بالحديث عن الماضي السحيق لأنه يتذكره أكثر من الأحداث القريبة ولأنه يسعد بإستعراض تجاربه وخبراته، فعلينا أن لا نحرمه من ذلك بل نظهر له التفاعل والإعجاب.
•- من المعروف أن قصور السمع والبصر لدى المسن يجعله يبتعد شيئاً فشيئاً عن أحداث الواقع ولذلك يجب علينا التحدث بصوت مسموع ومحاولة جذب المسن للواقع بإخباره بما يدور من حوله وأخذ رأيه ومداعبته.
•- الرعاية الصحية بالفحص الطبي والدوري للكشف عن أي مشكلات صحية في بدايتها وذلك لنقص وضعف المقاومة عند المسنين.
* أحبتي... إن المسن حلقة من حلقات التاريخ، وجزء لا يتجزأ من وجود كل مجتمع فليس من الوفاء أن يُهمَلوا أو يتركوا فريسة للضعف أو للمرض أو للحاجة، ويجب رعايتهم والعناية بهم، عملاً بمبادئ ديننا الحنيف، التي تجعل الأسرة متضامنة متآزرة في السراء والضراء، ويعدّ وجود الكبار في المنزل إمتيازاً وبركة ووقاراً، لأفراد الأسرة كلها، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا.
الكاتب: بدرية العسكر.
المصدر: موقع رسالة المرأة.